منهاج الأصول - ج ٣

محمّد ابراهيم الكرباسي

منهاج الأصول - ج ٣

المؤلف:

محمّد ابراهيم الكرباسي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار البلاغة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٣٨

بالسفاهة فعلى الاول يكون معنى التعليل النهي عن اتباع غير العلم وقضيته وان كان يعم الفاسق والعادل ولكن اخذ المفهوم في صدر الآية موجبا لرفع الجهالة في خبر العادل فتكون النسبة بين المفهوم وبين التعليل نسبة الحاكم والمحكوم والاشكال في كون الحاكم هو المتبع ولو كان اضعف دلالة من المحكوم وان كان بمعنى السفاهة فلا يكون للعلة عموم حتى يشمل خبر العادل.

ودعوى حمل الجهالة على السفاهة ينافى مورد الآية اذ الآية نزلت نهيا لما عمله العقلاء من الصحابة بخبر الوليد الفاسق فلو كان في قبول قول الفاسق سفاهة لما عملوا به ممنوعة لاحتمال ان يكون الردع واردا لتخطئة عملهم بتخيل منهم انه حسن فردعهم ونبههم بانه يعد من السفاهة ولكن لا يخفى انه محل نظر بكلا شقيه اما الشق الاول فيرد عليه اولا انه لا ينعقد ظهور للكلام ما دام المتكلم متشاغلا بالكلام حتى يحصل الفرغ منه فاذا فرغ انعقد له ظهور وذيل الآية اتصل به ما يكون صالحا لعدم الاخذ بالمفهوم فلا ينعقد للقضية ظهور في المفهوم.

وثانيا لو سلمنا ظهور القضية الشرطية في المفهوم ولكن ذلك لا يوجب رفع اليد عن عموم التعليل اذ الندامة لا ترتفع بالعلم التنزيلي والظن التعبدي بل انما ترتفع بالعلم الحقيقى وكان المستشكل قاسها على الملامة فكما ان الملامة لا ترتفع بالعلم التنزيلى فكذلك الندامة وهو في غاية الفساد اذ الندامة ليست كالملامة إذ خبر العادل ولو كان حجة لا يخرج عن كونه معرضا للندم لا يقال ان الندامة عليه لا ترتفع بالعلم الحقيقى كما انها لا ترتفع بالعلم التنزيلى ولازم ذلك التوقف حتى مع العلم وذلك بديهي البطلان اذ هو خلاف صريح الآية لانا نقول من علم حقيقة بصدق الخبر وقدم عليه ارتفع موضوع الندم لكونه مستندا الى العلم فمع انكشاف الخطأ يحصل له تأثر

٢٠١

وهو غير الندم بل هو امر وراء الندم كما لا يخفى ويمكن ان يقال في رفع المناقضة بين المفهوم والتعليل بتقريب ان خبر العادل على تقدير الخطأ فيه مصلحة متداركة لمفسدة الواقع فاذا كان للشرطية مفهوم يستكشف بالإنّ ان هناك مصلحة متداركة وعموم التعليل بالندم لا ينافى المفهوم ولا يوجب الغاء المفهوم لأن عموم الندامة فرع فوات الواقع بدون التدارك وقضية المفهوم هو تدارك الواقع فيخرج خبر العادل من التعليل لعدم حصول الندامة مع تحقق التدارك.

ولكن لا يخفى ان ظهور القضية الشرطية في المفهوم لا يبقى مع ابتلائه بالمعارض في ذيل الآية فقد يكون للشيء ظهور لو لا الابتلاء بالمعارض وجعل مصلحة يتدارك بها المفسدة فانما هو بناء على تمامية الحجية وذلك اول الكلام اذ الحجية لم تتم مع الابتلاء بالمعارض.

ان قلت لم لا تكون الندامة بمعنى الملامة حتى يتجه ما ذكرناه من حكومة المفهوم على التعليل بل هو المتعين إذ لو لم يحمل على ما ذكرنا من الملامة ويكون معنى الندم هو الاعم يكون مفاده عدم اعتبار كل ما هو غير علمي ومن المعلوم حجية بعض ما هو غير علمي كالسوق واليد ونحوهما والقول بانها مخصصات مدفوع بانه يلزم تخصيص الاكثر وهو مستهجن بخلاف ما اذا حمل على الملامة ويكون نحوه نحو الحاكم والمحكوم.

قلت حمل الندامة على الملامة خروج عن مقتضى الظاهر وقضيته وان كان عدم اعتبار كل شيء غير علمي إلا انه لما كان من الامور غير العلمية ما اتفقت العلماء الاعلام على اعتبارها اوجب تقييدا في الندامة ولكن لا على وجه يلائم المفهوم ولازم ذلك الاخذ بمقتضى الندم والعمل على مقتضاه نعم يحصل التردد في خبر العادل اذ مقتضى المفهوم العمل على طبقه وبمقتضى التعليل عدم

٢٠٢

العمل على طبقه ولم يكن احدهما بالوضع والآخر بالاطلاق حتى يتوهم تقديم الوضع على الاطلاق بل عموم كل واحد منهما بالاطلاق فتكون الآية مجملة الدلالة فلا تصلح للاستدلال (١) هذا كله اذا فسرنا الجهالة بعدم العلم واما لو فسرت

__________________

(١) لا يخفى ان عمدة الاشكال على الاستدلال بالآية هو معارضة التعليل مع المفهوم وذلك مبني على تفسير الجهالة في التعليل بمعنى عدم العلم وعليه يكون العادل كالفاسق في انه يجب التبين في خبره حذرا من الوقوع في خلاف الواقع وحينئذ اما ان نقول بالمفهوم ونرفع اليد عن عموم التعليل او نقول بعموم التعليل ونرفع اليد عن المفهوم ادعى المحقق النائيني (قدس‌سره) تقديم المفهوم لحكومته على عموم التعليل اذ مقتضى المفهوم جعل خبر العادل محرزا للواقع فيجعله علما تعبدا فيخرج عن عموم التعليل.

ودعوى ان ذلك فرع ثبوت المفهوم للقضية الشرطية وعموم التعليل باتصاله يمنع عن ظهور القضية في المفهوم ممنوعة فان ذلك ناشئ من منافاة المفهوم مع عموم التعليل مع انه لا منافاة بينهما اذ ليس المفهوم موجبا لتخصيص العموم وانما العموم على حاله مع تحقق المفهوم فان المفهوم يخرجه عن موضوع العموم ولذا قلنا بان المفهوم حاكم على التعليل وبما ذكرنا من الحكومة يندفع ما يقال بانه بتقديم المفهوم يلزم الدور بتقريب ان ثبوت المفهوم يتوقف على عدم انعقاد عموم للعلة لكونها متصلة فاذا خصصنا العموم بالمفهوم يلزم توقف الشيء على نفسه ولكن لا يخفى ان ثبوت المفهوم غير متوقف على رفع اليد عن عموم التعليل بل العموم باق على حاله مع ثبوت المفهوم والمفهوم يخرج خبر العادل عن موضوع العموم فيكون حاكما عليه فلذا لا يعقل أن يكون عموم التعليل مانعا من ثبوته ولكن الانصاف ان هذا الاشكال مبني على ارادة عدم العلم من الجهالة وارادة ذلك خلاف الظاهر اذ يلزم منه تخصيص الحكم بما دل

٢٠٣

الجهالة بالسفاهة فائضا كذلك إذ ليس محط التعليل هو الجهالة حتى يختلف في حالتي الفسق والعدالة باختلاف تفسير الجهالة بل محط التعليل هو الندم بعدم اصابة الواقع وذلك جار على كلا التفسيرين للفظ الجهالة هذا كله في الخدشة في الاستدلال بالآية من ناحية التعارض بين المفهوم والمنطوق.

وقد يخدش فيها من وجوه أخر منها ان الآية لو قلنا بالمفهوم لحصلت المعارضة بين الآيات الناهية عن اتباع غير العلم كقوله تعالى : (إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ. شَيْئاً* وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) ولكن لا يخفى انه على

__________________

على حجية البينة والفتوى واهل الخبرة مع ان سياق الآية آبية عن التخصيص فلذا الحق ارادة السفاهة من الجهالة فيكون مفاد الآية التحذير عما يكون العمل فيه سفاهة عند العقلاء وقطعا العمل بخبر العادل ليس من السفاهة كما عليه سيرة العقلاء على الاخذ بخبر العادل دون الفاسق.

فان قلت لو لم يصح الاعتماد على خبر الفاسق فكيف اعتمد الصحابة على خبر الوليد الفاسق وارادوا تجهيز الجيش على قتال بنى المصطلق عند اخبار الوليد بارتدادهم. قلت ربما يركن اليه غفلة او لاعتقاد عدالته فنزلت الآية للتنبيه على غفلتهم او لسلب اعتقادهم عدالته ثم لا يخفى قد يشكل بان التبين في الآية ان اريد خصوص العلم الوجداني فلا يستفاد منه المفهوم لان حجية العلم ذاتية فيكون الوجوب عقليا والامر بالوجوب يكون ارشادا لحكم العقل وان اريد مجرد الوثوق فتقع المنافاة بين المنطوق والمفهوم حيث ان المنطوق يستفاد منه الاخذ بمطلق الوثوق ولو كان من فاسق والمفهوم يعتبر العدالة وان لم يكن موثقا كما اذا اعرض الاصحاب عنه ولكن لا يخفى انه لا يلزم التنافي بين المفهوم والمنطوق فان المفهوم يقتضى حجية قول العادل إلا ان اطلاقه يقيد بدليل آخر اذا لم يكن

٢٠٤

تقدير استفادة المفهوم من الآية الشريفة تكون حاكمة على تلك الآيات الناهية عن اتباع غير العلم فان تلك الآيات تدل على ان الظن بذاته ليس بحجة اي لا مقتض للحجية ولا ينافى انه ثبت له الحجية لاجل بعض الطوارئ والحالات فيكون حجة ويخرج عن موضوع الآيات الناهية عن اتباع غير العلم ومنها ان شمول الآية لخبر السيد مثلا يقتضى عدم حجية اخبار الآحاد لأنه اخبر بعدم حجية خبر الواحد.

ودعوى قصور شمول الآية لخبره ممنوعة كما ان دعوى شموله لخبر السيد يلزم من وجوده عدمه ممنوعة اذ المحذور انما يتأتى لو كان مؤدى كلام السيد حكاية الاجماع على عدم اعتبار خبر الواحد في مرحلة الظاهر وليس هو كذلك بل مؤدى كلامه نفى اعتباره واقعا فيكون التعبد بكلام السيد ظاهرا على عدم اعتبار الخبر واقعا وليس هذا من موارد المحذور لتغاير الرتبة بينهما بحسب الظاهر والواقع ودعوى عدم شمول الآية لخبر السيد لكون مفاده عدم حجية الاخبار فلو سلم فهو انما يوجب خروج خبر السيد واما من حيث دلالته على عدم حجية سائر الاخبار فلا محذور فيه فيكون من الحيثية الثانية مندرجا تحت آية النبأ فلا مدفع للاشكال المذكور ولكن لا يخفى انه لما كان خبر السيد من الحيثية الأولى خارجا من جهة شمول مفاده له فلا بد من خروج خبر السيد بحسب الحيثية الثانية ايضا ، على انه لم يكن مفاده شاملا له حتى يلتزم بالتفكيك لعدم شمول المفاد لنفسه وشموله لسائر الاخبار بل يدل على عدم اعتباره بتنقيح المناط لا بالدلالة اللفظية

__________________

معرضا عنه على ان المستفاد من الآية وجوب تحصيل العلم عند ارادة العمل بخبر الفاسق وذلك امر مولوي لا وجوب العمل على طبق العلم ليكون الامر الوارد ارشاديا فلا تغفل.

٢٠٥

إذ لم يكن مفاد خبر السيد الذى هو نفى اعتبار الاخبار إلا لكونه خبرا واحدا وهذا المعنى متحقق في خبر السيد فيوجب الحكم بالحاق خبر السيد بمقتضى مفاده الدال على عدم الاعتبار اللهم إلا ان يقال بان الآية لم تشمل خبر السيد إذ لو شملته لزم من شمولها تخصيص الاكثر وذلك مستهجن لخروج سائر الاخبار فيما لو شملته ولكن لا يخفى انه لا يلزم من شمول الآية لخبر السيد تخصيص الاكثر بيان ذلك ان خبر السيد بالنسبة الى حكايته لعدم حجية سائر الاخبار نسبة الحكم الى الموضوع فيكون عدم حجية سائر الاخبار هو الموضوع نظير الحكم الواقعي وخبر السيد هو الحكم نظير الحكم الظاهري في كونها متأخرة رتبة عن خبر السيد.

وبالجملة يكون المعنى تعبدا ظاهرا بخبر السيد بعدم حجية سائر الاخبار واقعا والتعبد الظاهري بعدم الحجية لا ينافي الحجية واقعا ونظير ذلك ما عرفت من الجمع بين الحكم الظاهرى والحكم الواقعي من الاختلاف بحسب المرتبة فلا يلزم من شمول آية النبأ لخبر السيد على عدم حجية سائر اخبار الآحاد محذور لكي يقال في تقريب دفعه بان المفهوم دل على حجية خبر الواحد الى زمان صدور خبر السيد فلما كان خبر السيد شاملا لتلك الاخبار نسخت تلك الحجية ودعوى ان النسخ في مثل خبر السيد ممتنع اذ مؤداه عدم اعتبار الخبر من حين الصدور ممنوعة اذ لا نسلم ان مؤداه ذلك بل مؤداه عدم الحجية من حين صدور خبر السيد لا فيما سبق على زمان صدوره فيكون تبعيضا في حجية الدلالة.

وبالجملة الاشكال لا يندفع بما ذكر (١) واضعف من ذلك ما يقال في دفعه ان المفهوم اذا كان يشمل خبر السيد كان عبارة اخرى عن نفى اعتبارها

__________________

(١) وقد اجيب عن ذلك بان مضمون خبر السيد لا يشمل نفسه

٢٠٦

فيكون قد نفى اعتبارها بعبارة ظاهرة الدلالة على اعتبارها ولكن لا يخفى ان هذا الدفع لا يحتاج الى رد لبداهة بطلانه والحق في الجواب على وجه يكون حاسما لمفاده

__________________

لكونه في مرتبة سابقة ويكون خبر السيد من قبيل الحكم فهو متأخر عنه تأخر الحكم عن الموضوع بل يمكن ان يعم نفسه فلا يحكم عليه بالحجية ايضا اذ عدم الحجية والحجية امران متناقضان والنقيضان في مرتبة واحدة فاذا كان عدم الحجية في رتبة سابقة على خبر السيد كانت الحجية كذلك لكونها في مرتبته فلو حكمنا عليه بالحجية لزم تأخرها عنه في الرتبة وقد فرضنا ان عدم الحجية كان سابقا في المرتبة على الخبر وهذا خلف.

ولكن لا يخفى ما فيه اما عما لا يعم نفسه فان الاحكام الانشائية الكلية تارة تلحظ مقام جعلها واخرى تلاحظ مقام فعليتها اما مقام جعلها فهى على منهج القضايا الحقيقية والقضية الحقيقية تنحل الى قضية شرطية مقدمها ثبوت الموضوع وتاليها ثبوت المحمول له وتأخر الحكم عن الموضوع انما هو في الاحكام الفعلية دون الانشائية فالمحكي بخبر السيد هو عدم الحجية إنشاء فلا يتوقف على وجود الموضوع في الخارج فضلا عن تأخره عنه.

وبالجملة المتأخر عن خبر السيد هو عدم الحجية الفعلية واما المتقدم على خبره فهو عدم الحجية الانشائية واما انه ليس بحجة لأجل كون النقيضين في مرتبة واحدة فقد عرفت في مباحث الضد انه اذا كان بين شيئين تقدم وتأخر رتبي فلا يوجب ان يكون تقتضي في كل واحد منهما مع الآخر تقدم رتبي مثلا النار لها تقدم رتبي مع الحرارة الناشئة منه فلا يوجب ان يكون تقدما رتبيا بين عدم النار المتحد مع وجوده في المرتبة لكونهما نقيضين ليس له تقدم رتبي على الحرارة اصلا لعدم العلية بينهما وعليه ملاك تقدم عدم الحجية على اخبار السيد

٢٠٧

الاشكال هو ان يقال انه لما كانت مرتبة التعبد بخبر السيد هو التعبد الظاهري وموضوعه سائر الاخبار هو مرتبة الواقع ومن المعلوم ان الحكم الظاهرى موضوعه الشك بالواقع فالمفهوم لا يكون مشمولا لخبر السيد الا وان يشك في حجية سائر الاخبار فاذا كانت حجية سائر الاخبار معلومة بحكم المفهوم لغى الشك فلا يكون مشمولا لخبر السيد اذ شمولها لخبر السيد فرع الشك بالحجية وقد انتفى بحكم المفهوم وبعبارة اخرى ان الامر يدور بين التخصيص والتخصص ولا اشكال في ترجيح الاخير.

بيان ذلك ان مفهوم آية النبأ ان اردت تطبيقه على سائر الاخبار يكون المعنى نفى احتمال الخلاف فلم تكن مشكوكة فلا يتحقق تعبد بخبر السيد لانتفاء موضوعه وهو الشك بحجية سائر الاخبار اذ من المعلوم يحكم المفهوم انتفاء الشك فيكون خبر السيد خارجا موضوعا عن آية النبأ وهو التخصص وان اردت ان تطبقه على خبر السيد فيكون المعنى لا تتعبد باحتمال الخلاف في خبر السيد فتكون سائر الاخبار مشكوكة الاعتبار فيكون موردا للتعبد بخبر السيد وسائر الاخبار ايضا لها صلاحية لدخولها تحت ادلة اعتبار الاخبار فيفتقر الى خروجها عن حكم العام الى مخصص دال على الخروج والمخصص غير حاصل فاخراجها

__________________

كونه محكيا بذلك الخبر وهذا الملاك غير موجود في الحجية ولذا الاولى في الجواب هو معارضة ما اخبر به السيد بمثله على انه لو شمله يلزم من وجوده عدمه او ان الامر يدور بين دخول خصوص خبر السيد تحت ادلة الحجية وخروج ما عداه وبالعكس ومن الواضح تعين الثانى اذ الاول يستلزم تخصيص الاكثر وهو مستهجن لاختصاصه بخبر السيد الى غير ذلك من المحاذير المذكورة في المتن فلا تغفل.

٢٠٨

تخصيص بلا مخصص وهو واضح البطلان.

ودعوى عدم شمول ادلة الاعتبار لما يلزم من اعتباره عدم الاعتبار كما عن بعض الاعاظم (قدس‌سره) فانها وان كانت في نفسها قوية إلّا ان ذلك يتوقف على امكان شمول اطلاق المضمون لمثل تلك المراتب المتأخرة وإلا فلا تنتهى النوبة الى مثل ذلك الجواب على انك قد عرفت ان المقام يدور بين التخصيص والتخصص والثانى هو المتعين ان قلت ان لازم شمول المفهوم لخبر السيد يوجب القطع بعدم حجية ما عداه فتخرج سائر الاخبار من باب التخصص لا التخصيص قلت ان مؤديات ما عدى خبر السيد انما هو الوجوب او الحرمة واقعا وهذه المؤديات لا يرتفع منها الشك لو شمل المفهوم خبر السيد لكي يخرج ما عدى خبر السيد من باب التخصص بل يخرج من باب التخصيص على ان عدم شمول المفهوم لخبر السيد اولى لا بلزوم تخصيص الاكثر بل يكون امر ينافيه طريقة العقلاء ويكون كما لو قال صدق زيدا بجميع ما يخبرك به وقد اخبر زيد بالف خبر ثم اخبر بكذب كل ما اخبر فلو اريد من الامر بتصديقه في جميع اخباره بنحو العموم خصوص الخبر الآخر فانه يكون مستقبحا غايته ودعوى التفكيك بالازمنة بان خبر السيد يتم في الازمنة المتأخرة فلا يشمل ما تقدمه من الازمنة ممنوعة اذ خبر الواحد اذا كان حجة في زمان يكون حجة في جميع الازمنة على ان ظهور الكلام في العموم الازمانى يقدم على العموم الافرادي الموجب لشمول خبر السيد مع جواز الفصل واقعا او ظاهرا.

ثم انه قد استشكل على مفاد الآية بدعوى انصرافها الى الخبر بلا واسطة ولكن لا يخفى انه لا منشأ لدعوى الانصراف ولذا ترى الاصحاب يأخذون

٢٠٩

بالاخبار مع الواسطة او الوسائط من دون تشكيك منهم وقد اجاب الشيخ (قدس‌سره) بما حاصله بان كل واسطة يخبر خبرا بلا واسطة فمع تعدد الواسطة كما لو قال الشيخ حدثنى المفيد قال حدثنى الصدوق قال حدثنى الصفار قال سمعت العسكري (ع) يقول كذا ، يكون اخبارا متعددة كل مخبر يخبر عن الآخر بلا واسطة ولكن لا يخفى ان المراد من الانصراف هو الانصراف الى الخبر عن الامام (ع) فعليه لا يشمل بقية الاخبار اذ هي تحكى عن الامام عليه‌السلام بواسطة اللهم إلا أن يقال بان المستفاد من (أَنْ جاءَكُمْ) في الآية هو خصوص الخبر المشافهة لا ما وصل الى المخبر من دون مشافهة ولكن لا يخفى ان ذلك ممنوع اذ المستفاد من قوله تعالى : (أَنْ جاءَكُمْ) هو الوصول لا خصوص المشافهة لان المجىء كناية عن الوصول وعليه تشمل جميع الاخبار ولا تختص بالخبر المشافهة الذي هو بلا واسطة ثم ان الوصول قد يحتاج الى اجازة او يكفى حصوله بالوجادة ربما يقال باحتياجه الى الاجازة وعدم اعتبار الوصول بطريق الوجادة لان الوجادة لا تحقق المخاطبة بين صاحب الكتاب وبين نافله ولأجل ذلك اشترط بعضهم الاجازة في حجية الاخبار باحد الطرق واما بالقراءة او بالإجازة في النقل.

وهكذا الى ان يصل الينا فكأنه بالاجازة تحققت المخاطبة ولكن لا يخفى انك قد عرفت ان المراد من (أَنْ جاءَكُمْ) هو الوصول باي نحو حصل سواء كان بالوجادة او الاجازة وقد يقرب الاشكال بتقريب آخر ان معنى التعبد بالخبر ليس إلّا الاعتداد بما ينقله فاذا فرض ان هناك واسطة بين المخبر وبين الامام يكون معنى الاعتداد بخبر المخبر هو الاعتداد بما ينقله وهو ما يحكيه من الواسطة

٢١٠

فيكون البناء على وجود الواسطة ولكن نفس وجود الواسطة لا يكفى الا وان يأتي دليل على ما يحكيه من الامام والمفروض انه لم يكن لنا الا دليل واحد وهو الذى حقق وجود الواسطة فيكون خبر الواسطة خاليا من الدليل فلا يكون له اثر شرعي يتعبد به.

والجواب عن هذا الاشكال (١) اما بناء على ان مفاد ادلة التنزيل هو

__________________

(١) ذكرنا في تقريراتنا لبحث الاستاذ المحقق النائينى (قدس‌سره) ان الاشكال يقرب بتقريبات ستة :

الاول عدم شمول الآية للاخبار الطولية لانصرافها الى الاخبار العرضية ولكن لا يخفى ان هذا الاشكال ان رجع الى دعوى كون حجية الظواهر انما هو مخصوص بالمشافهين لانهم مقصودون بالافهام فلا يشمل من لم يقصد افهامه وقد عرفت دفعه من المباحث السابقة وحاصلها ان الظهورات ليست مخصوصة بمن قصد افهامها بل يمم مضافا الى انه كل خبر بالنسبة الى ما اخبر عنه يعد مشافها فيشمله دليل الحجية وان رجع الى كون دليل الحجية لا يشمل السند بل ينصرف الى الاخبار التي لا سند لها فيرد عليه منع الانصراف مضافا الى ان كل خبر بالنسبة الى من اخبر لا تتحقق الواسطة فتشمله دليل الحجية كما لا يخفى.

الثاني ان المستفاد من دليل الحجية هو ترتب الاثر فما لم يكن فيه اثر لا يشمله دليل الحجية حيث انه يلغى تنزيل المؤدى منزلة الواقع فان التنزيل بلحاظ الاثر وحينئذ الواصل الينا مثلا خبر الشيخ بانه اخبره المفيد ليس فيه اثر وخبر زرارة وان كان يترتب عليه الاثر ولكن لم يصل الينا فلا يشمله دليل الحجية لعدم وصوله ولا يشمل خبر الشيخ لعدم ترتب الاثر عليه ولكن

٢١١

تنزيل المؤدى منزلة الواقع فنقول ان معنى الحكم بوجوب تصديق المخبر فيما

__________________

لا يخفى ان جعل الطرق ليس المستفاد منها إلا صرف الاحراز ولا تستفاد من ادلة اعتبارها ترتب الاثر مضافا انا لو سلمنا ذلك فنقول مدخلية الاثر ولو بوسائط عديدة يكفى في شمول صدق له فان خبر الشيخ اعني ما اخبره المفيد وان لم يكن له اثر إلّا انه بسبب اخباره عن المفيد الذى اخبره الصفار الى ان يصل الى زرارة المترتب على خبره الاثر فحينئذ بهذه الواسطة يترتب الاثر على خبر الشيخ فافهم.

الثالث اتحاد الحكم مع الموضوع. بيان ذلك انك لما عرفت ان المستفاد من دليل حجية الخبر هو رتب الاثر ففى هذه القضية قد اخذ الموضوع فيها هو الاثر والحكم في هذه القضية هو (رتب) فحينئذ لا بد من تحقق اثر خارجي حتى يترتب مثلا العدالة لها اثر خارجى وهو الاقتداء فلو جاء دليل من خارج على ان زيدا المشكوك عدالته عادل فمفاد أنه رتب الاثر المترتب على العدالة الواقعية رتبها على العدالة المشكوكة الذى هو الاقتداء واما لو كان نفس الاثر هو الترتب فهو غير معقول لانه يلزم ان يكون رتب الاثر عين الاثر ومن الواضح تأخره عن الاثر وفي المقام من هذا القبيل لان دليل حجية الخبر لو شمل مثل قول الشيخ فمفاد شموله رتب الاثر على خبر الشيخ اعنى ما اخبره المفيد والمفروض انه ليس له اثر سوى تصديقه فيما اخبر به وهو كون المفيد مخبرا له وهذا واضح الفساد ولكن لا يخفى ان مبنى هذا الاشكال هو ان رتب الاثر حكم شخصى واما لو كان الحكم بنحو العموم الانحلالى فحينئذ ينحل العموم الى احكام متعددة بمقدار تعدد الاخبار فعليه خبر زرارة كان خبرا ذا اثر خارجي فيصدق العادل يوجب ترتب ذلك الاثر الخارجي وهذا بنفسه يصير موضوعا لخبر حريز فخبر حريز يصير خبرا ذا أثر فيشمله صدق العادل الى ان تصل السلسلة الى خبر الشيخ فتلك السلسلة

٢١٢

يحكيه هو التعبد بحكم الشارع الواصل اليه من طريق الواسطة فان خبر الواسطة

__________________

يكون خبر الشيخ خبرا ذا اثر فيشمله (صدق العادل) نعم لو كان حكما شخصيا لاتجه الاشكال.

الرابع يلزم أن يشمل الحكم موضوعا متولدا منه. بيان ذلك انه لا اشكال ولا ريب ان الحكم متأخر رتبة عن موضوعه (ورتب) الذي هو الموضوع سابق على حكمه فلا يعقل ان يتولد موضوع ذلك الحكم من نفس موضوعه لانه يلزم تقدم الشىء على نفسه وتأخر الموضوع عن حكمه وفي المقام يجري هذا المحذور البديهي البطلان فان خبر الشيخ لما شمله دليل الحجية اعنى (صدق العادل) صار خبر الشيخ عما يحكيه من المفيد موضوعا لصدق العادل فكيف يعقل ان يكون صدق العادل موجبا لتحقق موضوعه ونظير ذلك كل خبري صادق فان هذه القضية لا تصدق إلا بعد مجىء صادق وبعد مجيء (صادق) انعقدت القضية فلا يعقل ان تكون مشمولة لنفسها ولكن لا يخفى ان العموم لما كان انحلاليا فحينئذ يكون عندنا رتب الاثر بمقدار السلسلة غاية الامر هنا بعكس الجواب عن تقريره السابق فان الجواب السابق كان مبنى على ان (رتب) شاملا للسلسلة من قول زرارة وهنا يندفع الاشكال بشمول رتب لخبر الشيخ وحاصله ان العموم لما كان انحلاليا فيصير عندنا (صدق) بمقدار يحقق موضوعا له فبشموله لخبر الشيخ يوجب ان يحدث موضوعا (لصدق الآخر) وصدق الآخر موجب لحدوث صدق الثالث وهكذا.

وبالجملة ان شمول صدق لخبر الشيخ يوجب ان يحدث موضوعا وهو خبر المقيد لصدق الآخر المستفاد من العموم الانحلالى.

الخامس هو الاشكال السابق ولكن بتقريب الدور حيث ان الحكم لا بد وان يكون مترتبا على الموضوع فالحكم على الموضوع متأخر عنه فلو تولد الموضوع منه

٢١٣

لم يتحقق وجدانا بل يتحقق بالتعبد ومعنى التعبد بحكم الشارع هو وصول الحكم

__________________

لزم توقف الموضوع عليه وهو الدور الواضح الفساد ولكن لا يخفى انه يندفع بما ذكرناه سابقا من ان الموضوع المتولد ليس موضوعا لنفس صدق الاول وانما هو لصدق آخر وهكذا.

السادس اتحاد الحاكم والمحكوم بيان ذلك هو ان من شأن الحاكم ان يكون مغايرا للمحكوم اذ لا معنى لكون الشىء حاكما على نفسه ومن هنا وقع الاشكال في تقديم الاصل السببي على المسببي بانه ليس عندنا إلا (لا تنقض اليقين بالشك) ففي تقديم السببي على المسببي يلزم تقديم (لا تنقض اليقين بالشك) على نفسه وفي المقام صدق العادل لما شمل خبر الشيخ صار حاكما عليه بمعنى انه اوجب توسعة موضوع التصديق بهذا المعنى فحينئذ كيف يعقل ان يكون بنفسه موجبا لتوسعة الموضوع لخبر الصفار وهو محذور باطل ولكن لا يخفى ان الحكومة تارة يكون عبارة عن الشرح والتفسير كمثل اعنى ونحوه كما يوجد في بعض الاخبار واخرى يكون الحاكم موجبا لتضييق دائرة المحكوم كمثل لا شك للمأموم مع حفظ الامام وامثال ذلك وهذا النحو من الحكومة يرجع الى التخصيص وثالثة يكون الحاكم مخرجا للموضوع عن دائرة المحكوم كمثل لا شك لكثير الشك ومثل اكرم العلماء ويأتي بعده دليل على ان زيدا ليس بعالم فهذا الدليل اوجب الخروج عن دائرة الموضوع تعبدا وبقيد التعبد يفرق بين هذا القسم من الحكومة وبين الورود فان الورود اخراج عن دائرة الموضوع حقيقة وجدانا وحكومة الاصل السببي على الاصل المسببي يوجب اخراج الاصل المسببي عن عموم (لا تنقض) موضوعا ومن هذا القبيل المقام بناء على ان عموم صدق العادل انحلالى يتعدد بتعدد الموضوع فنقول صدق العادل الشامل لخبر الشيخ صار حاكما عليه فلما كان حاكما عليه نشأ موضوع

٢١٤

الينا من الامام (ع) واما بناء على تنزيل الامارة منزلة العلم فائضا لا اشكال

__________________

آخر فترتب عليه صدق العادل ثانيا وصار صدق العادل الآخر حاكما عليه وهكذا غاية الامر تتغاير هذه الحكومة مع الحكومة السابقة فان الحكومة في السابق نحو اخراج الموضوع عن دائرة المحكوم عليه وهنا ادخال الموضوع في دائرة المحكوم عليه فان خبر الشيخ قبل شمول (صدق) كان مشكوك الحجية فبمجيء صدق جعله كالخبر الواقعى فبشموله له حقق موضوعا آخر اعنى خبر المفيد من الصفار لصدق آخر وهكذا كل صدق يدخل موضوعا تحت ذلك العموم.

ثم قال (قدس‌سره) انه يمكن تقريب الدور بتقريب آخر هو ان المستفاد من جريان الاصول هو ترتيب الآثار فلو توقف الاثر على وجود شىء لا معنى لجريان الاصل قبل ذلك الشىء مثلا احراز الطهارة بالاصل يتوقف أثرها على تحقق الشرائط السابقة مثل استقبال القبلة وامثاله من شرائط الصلاة واما مع عدم احرازها لا معنى لجريان اصالة الطهارة والمقام من هذا القبيل حيث ان شمول صدق العادل لخبر الشيخ يتوقف على شموله لخبر المفيد وشموله لخبر المفيد يتوقف على شموله لخبر الشيخ لان خبر المفيد لا اثر له إلا بعد شموله لخبر الشيخ وبالعكس يتوقف شمول كل واحد من السلسلة على الآخر وهو الدور الواضح البطلان ولكن لا يخفى ان العموم لما كان انحلاليا فتتحقق تلك الافراد دفعة واحدة ولا يتوقف أحدهما على الآخر نعم يتوقف ثبوت الصدور على شمول العموم لهذه الاخبار ولكن لا يتوقف الشمول لهذه الاخبار على ثبوت الصدور وانما ثبوت الصدور يتوقف على ثبوته الواقعي ولو سلمنا انه يلزم التوقف ولكن نمنع من كونه مما يتوقف على نفسه إذ الدور في المقام دورا معيا والدور المعي لا محذور فيه اصلا فلم يبق لنا في الآية محذور سوى انه لو حمل على المفهوم يلزم خروج المورد فان المورد هو الاخبار عن الارتداد

٢١٥

فيه حيث ان الخبر الذي اخبر عن الواسطة لم يفدنا إلّا العلم التعبدي ولا اشكال ان العلم التعبدى غير نفس الخبر فانه لم ينشأ من وجوب التصديق بنفس الخبر بل العلم به.

وبالجملة فعلى ما ذكرنا من مبنى التنزيل لا موقع للاشكال لان الخبر في نفسه على واقعه محقق الوجود إلّا انه لم يكن محرزا إلّا بالعلم التعبدى الذى قد استفيد من وجوب تصديق المخبر نعم لو نشأ وجوب التصديق نفس الخبر

__________________

والارتداد من الموضوعات التي لا تثبت إلا بالتعدد ولا يكفى فيها خبر واحد فلو عملنا بالمفهوم يلزم منه اخراج المورد.

واجاب عن هذا الاشكال شيخنا الانصاري (قدس‌سره) بما حاصله ان نسبة المورد الى المفهوم نسبة الصغرى الى الكبرى فاذا كان كذلك ينتج ان يكون المورد خارج العام فحينئذ كل ما يتراءى كونه كذلك لا بد من تقييد العام لشىء يوجب كون المورد ليس موردا مثلا لو قال القائل اكرم العلماء وكان في مقام اكرام زيد وعلم من دليل خارج ان زيدا لا يجب اكرامه فلا بد من تقييد العام بقيد يوجب كون زيد ليس من المورد.

اقول لا يخلو الحال اما ان نقول بان كون المفهوم كالمنطوق من المداليل اللفظية ولو بالدلالة الالتزامية وكان بالوضع فيجىء ما ذكره الشيخ واما اذا قلنا بان الجملة الشرطية لا دلالة فيها الا على اثبات الجزاء للشرط فحينئذ يستفاد المفهوم من الاطلاق بسبب مقدمات الحكمة فعليه يمكن ان يكون المورد داخلا في المنطوق ولا يدخل تحت المفهوم فان خبر الوليد بارتداد بنى المصطلق بعنوان انه فاسق يجب فيه التبين وهذا يدخل في المنطوق ولا يدخل بالمفهوم فافهم واغتنم.

٢١٦

لكان للاشكال محل ومجال ولكنك قد عرفت بطلانه وان الذى ينشأ هو العلم التعبدى وهو غير محقق للخبر لا يقال انه على ما ذكرت بان مفاد وجوب تصديق المخبز هو العلم بتحقق الواسطة لا نفس التحقق يلزم اللغوية في ادلة التنزيل اذ ادلة التنزيل انما تصح في مورد للمنزل عليه اثر ولا اشكال في عدم ترتب الاثر على العلم بتحقق الخبر نفسه بل لا بد من وجود دليل آخر يدل على وجوب وجوده المحرز وجوده بوجوب التصديق وبعبارة اوضح ان الاثر مترتب على شيئين مجتمعين وهما العلم بخبر الواسطة والحكم بوجوب تصديق خبر الواسطة وادلة التنزيل على ما قررت انما هى ناظرة الى العلم بخبر الواسطة وهو مفقود الاثر الا وان يدل دليل آخر على الحكم بوجوب تصديق خبر الواسطة حتى يرتفع محذور اللغوية والمفروض عدم وجود دليل بل ليس عندنا إلا دليل واحد فيعود المحذور لانا نقول دليل وجوب التصديق عام يشمل كل خبر سواء كان قد حصل بالعلم الوجداني او قد حصل بالعلم التعبدي ولما اخبر المخبر بخبر الواسطة حصل بسبب اخباره نفس تحققه في نفس الأمر والواقع تنزيلا فيكون مشمولا لدليل وجوب التصديق نعم لا يكون مشمولا بناء على المسلك الاول في ادلة التنزيل لان الذى يتولد من الحكم لا يعقل ان يكون موضوعا له ولكنه خلاف المختار فان المختار في ادلة التنزيل مفادها العلم التعبدي.

ومما يقرب الاشكال المذكور بتقريب ادق من سابقه وهو ان المستفاد من ادلة التنزيل هو الحكم بوجوب التصديق ولا معنى لوجوبه الا ترتيب الاثر عليه فلا بد من ان يكون هناك اثر حتى يترتب عليه وليس هناك إلا وجوب

٢١٧

التصديق فلا بد من ترتبه فيلزم حينئذ اتحاد الحكم مع الموضوع وهو بديهي البطلان.

وبعبارة اخرى انه لا بد من التغاير بين الحكم والموضوع في الخارج وفي الذهن مثلا اذا قلت يجب الصلاة لا بد وان تكون الصلاة متقدمة رتبة على الوجوب في عالم الذهن ومعلولا للوجوب في عالم الخارج.

وبالجملة لا يتحد الحكم مع الموضوع في مرتبة بل لا بد من المغايرة بينهما بحسب المرتبة اذا عرفت ذلك ففي المقام الاثر المرتب على وجوب التصديق يكون موضوعه وجوب التصديق ولا يكون ذلك الاثر هو وجوب التصديق مثلا في فرض الرواية اذا وردت الينا عن الحسين بن سعيد عن محمد بن مسلم عن زرارة عن الامام عليه‌السلام فخبر ابن سعيد ليس له اثر شرعي إلا الحكم بوجوب تصديقه في اخباره عن محمد بن مسلم والفرض ان وجوب التصديق حكم فكيف يصلح لأن يكون هو الاثر المحكوم بوجوب ترتيبه وما هو الا كون الحكم نفس الموضوع ولا اشكال في محاليته.

واجاب الاستاذ (قدس‌سره) بما حاصله (١) (ان هذا الاشكال انما

__________________

(١) توضيحه هو ان الاثر الثابت للمؤدى الذي صحح دليل التنزيل تارة يكون بلحاظ طبيعة الاثر نفسه واخرى بلحاظ الافراد ولا يعقل ان يلاحظ على النحو الثاني اذ الفرد الملحوظ المأخوذ موضوعا لوجوب التصديق لازمه ان يكون غير الحكم بوجوب التصديق وإلّا لزم الاشكال المذكور واما لو كان على النحو الاول فلا يتوجه الاشكال إذ طبيعة الاثر غير الحكم بوجوب التصديق فاذا حصلت المغايرة لا مانع من كونه موضوعا بتقريب ان الحكم قد

٢١٨

لو لم تكن القضية طبيعية وإلا لو جاز كونها طبيعية فلا مانع من كون الحكم

__________________

ثبت لتلك الطبيعة والطبيعة كانت بنحو الطبيعة السارية فتسرى الى نفس وجوب التصديق فيسرى اليه حكمها ايضا سراية حكم الطبيعة الى افرادها التي تسرى هي اليها.

ولكن لا يخفى ان المصحح ليس هو طبيعة الاثر وانما هو مصداقه على ان ملاحظة الطبيعة اما مطلقة أو مهملة اما الاطلاق غير معقول اذ كيف يمكن أن يكون له اطلاق يشمل حكمه ومعه يلزم المحذور المذكور والاهمال يوجب قصور شمول الآية لما اذا كان اثر مؤداه وجوب التصديق.

وقد اجاب المحقق الخراساني (قده) بجواب آخر فقال ما لفظه (مضافا الى القطع بتحقق ما هو المناط في سائر الآثار في هذا الاثر) الخ بيانه هو ان الآية انما تدل على وجوب تصديق كل خبر حتى خبر الواسطة بلحاظ ما عدى وجوب التصديق من الآثار فلما علم وجود مناط الحجية في خبر الواسطة فلا يفرق بينه وبين غيره من الآثار في وجوب الترتيب او عدم القول بالفصل بينه وبين غيره من الآثار فلذا نقول بوجوب ترتيبه أيضا كغيره من الآثار ولكن لا يخفى انه بذلك لا يكون جوابا عن الاشكال وانما هو فرار عنه فلذا الاولى في الجواب بانه يمكن ان يكون الانشاء الواحد وبجعل واحد ينحل الى انشاءات متعددة تترتب بعضها على بعض بنحو يكون بعضها موضوعا للآخر وترتيبها ثبوتا لا يقتضى ترتيبها بحسب الانشاء اذ يجوز للجاعل أن ينشئ هذه الوجودات المترتبة بانشاء واحد وسره ان موضوعية احدهما للآخر ليس بوجوده الانشاء الخارجى لكي يتوقف انشاء خبر الواسطة على انشاء اثر له وحينئذ يمتنع انشاؤهما بانشاء واحد بل يكون موضوعا بوجوده الفرضى.

وببيان آخر اوضح ان منشأ الاشكال هو اتحاد الحكم للموضوع وذلك

٢١٩

بوجوب التصديق يسري الى الافراد سراية الطبيعة الى افراده فلا يلزم محذور اتحاد الحكم مع موضوعه (ولكن لا يخفى ان هذا الجواب عن ذلك لا يتم إلّا

__________________

يتم لو كان مفاد الآية حكم شخصى وقد ثبت الى موضوعات عديدة وكان بعض افراد الموضوع مستندا في وجوده الى الحكم واما اذا كان الانشاء الواحد منحلا الى أحكام متعددة على نهج القضية الحقيقية فلا مانع من أن يكون احدهما موجدا لموضوع الآخر كما في المقام فانه انشاء واحد ينحل الى احكام عديدة بحسب افراد الخبر وان كان المظهر لها امر واحد فوجوب تصديق خبر الشيخ يثبت لنا خبر المفيد ويترتب عليه وهكذا الى ان تنتهى الى الخبر بلا واسطة.

ودعوى شمول صدق لخبر الواسطة اتحاد الحاكم مع المحكوم ممنوعة اذ الحكومة تارة تكون بلسان الشرح والتفسير كلفظة (اعنى وأي) قد يوجد في بعض الاخبار واخرى تكون ناظرا الى عقد الوضع بنحو التوسعة كقوله عليه‌السلام (الفقاع خمر استصغره الناس) او بنحو التضيق كمثل لا شك لكثير الشك او يكون ناظرا الى عقد الحمل كحكومة لا ضرر ولا حرج علي الاحكام الواقعية وثالثة الحكومة تكون في تطبيق الموضوع على فرد كحكومة الامارات على الاصول وحكومة الاصل السببي على المسببي.

ولا يخفى ان التعدد بين الحاكم والمحكوم معتبر بالنسبة الى الحكومة بالنسبة الى الاولين دون الثالث فانه لا يعتبر التعدد كما هو كذلك بالنسبة الى اصل السببي والمسببي فان دليل حرمة نقض اليقين بالشك وان كان واحدا إلا انه منحل الى احكام عديدة بعدد افراد اليقين فلا مانع من حكومة بعضها على بعض على التفصيل المتقدم عند التعرض لتقرير بحث الاستاذ المحقق النائينى (قدس‌سره).

٢٢٠